عبدالله – قلب أمٍ خُطف نبضه الوحيد
كان عبدالله الابن الوحيد، النبض الأوحد لقلب أم كرّست حياتها من أجله، والسند الثابت لأخته في كل تفاصيل أيامها. شاب في الخامسة والعشرين من عمره، حملت عائلته الصغيرة أحلامها كلها في عينيه، وعلّقت على مستقبله آمالها الكبيرة، تنتظر اليوم الذي ترى فيه ثمار تعبه واجتهاده. أنهى دراسته في كلية الحقوق في حزيران ال 2024، وكان يقف على أعتاب حياة جديدة، يحمل في يده شهادة تعب السنين، وفي قلبه رغبة صادقة في أن يصنع مستقبله بميزان الحق والعدالة. لكن رحلته لم تبدأ بعد. لم تفتح له الحياة أبواب العمل، ولم يذق طعم النجاح الذي حلم به. خُطفت كل أحلامه برصاصة غدر، قبل أن يعرف معنى الخطوة الأولى. كان على وشك الانطلاق، لكن الرصاص كان أسرع، فأطفأه قبل أن يضيء الطريقاللحظات الأخيرة قبل المذبحة
في لحظة اشتد فيها الرصاص وعانقت المدينة ظلال الخوف، لم يفكر عبدالله بنفسه، بل أمسك بيد والدته وشقيقته وسار بهما نحو بيت جده، الأستاذ المعروف والمحبوب “علي حسين داود”، رجلٌ لطالما اعتُبر من رموز الطمأنينة في بانياس. كان يظن أن الأمان هناك… كان يظن أن أسماء العائلات الطيّبة، والقلوب النقيّة، تحمي من رياح الظلم وهنالك التقى ب خاليه فراس ومصعب داوود . وصلوا إلى البيت، وأغلقوا الأبواب خلفهم، ليس بدافع الهروب، بل طلبًا للسلام. ما دروا أن الأبواب التي أُغلقت على خوفهم، ستُفتح بعد دقائق على كابوس لا يشبه أي كابوس.الضيوف الذين حملوا الموت
طرقات على الباب، وأصوات غريبة تدّعي التفتيش عن سلاح أو “مطلوبين”. نظر بعضهم إلى بعض بثقة: “ليس بيننا ما نخافه”. فتحوا الباب بقولهم: “تفضلوا، البيت بيتكم”، وما عرفوا أن الموت كان واقفًا خلف العتبة. دخلت مجموعة مسلّحة، عيونهم باردة كأنهم لم يسبق لهم أن عرفوا معنى للرحمة. أطلقوا النار في الأرض بين أرجل الجالسين، نشروا الذعر في المكان، ثم أخذوا الشباب “للاستجواب”، وأقسموا أنهم سيعودون بعد دقائق.السؤال الذي يُطلق الرصاص
عبدالله ومجموعة من الجيران نُقلوا إلى بيتٍ مجاور، وهناك طُرح عليهم سؤال واحد فقط: “سني ولا علوي؟” سؤال تحوّل في لحظة إلى حكمٍ بالإعدام، بلا محاكمة، وبلا تهمة سوى الانتماء. أجاب عبدالله، كما أجاب غيره بصدق، فاخترقت رصاصة جبينه قبل أن يُكمل جملته. سقط على الفور، وسقط إلى جانبه شابان آخران من أبناء الحي، في مشهدٍ لا يعرف الرحمة.عبدالله… العدالة التي لم تتحقق
تخرّج عبدالله من كلية الحقوق ليحمل راية العدل، ليكون مدافعًا عن المظلومين، لا شهيدًا للظلم نفسه. لم يُكمل مشواره، لم يدخل قاعة محكمة، لم يحمل قضية، لكنه بات هو القضية. لم يكن يظن أن العدالة التي أحبها ستخذله، أو أن القانون الذي درسه لن يحميه من رصاصٍ لا يعرف معنى للقانون.