تالا – زهرة بانياس التي خنقتها يد الظلم
تالا لم تكن مجرد فتاة عادية، بل كانت روحًا مشرقة وحلمًا يمشي على الأرض. وُلدت ونشأت في بانياس، حيث صنعت ذكريات طفولتها بين عائلتها الدافئة وأصدقائها الذين أحبّوها بصدق. كانت مثالاً للذكاء والاجتهاد، فدائمًا ما تألقت في دراستها، وصولًا إلى جامعة حمص، حيث درست الصيدلة بشغف وحب للحياة. لم تكن تالا مجرد طالبة متفوقة، بل كانت فتاة اجتماعية، تنشر الفرح أينما حلّت، تحمل في قلبها طموحات كبيرة وأحلامًا كانت تنتظر الغد لتتحقق. كانت تستعد لأجمل أيام حياتها، تخطّط لزواجها مع حبّها علي، ولكن القدر كان له كلمة أخرى، ليُسرق مستقبلها المشرق في لحظة ظلم لا تُغتفر.
الحلم والحب الذي لم يكتمل
منذ صغرها، كانت تالا تمتلك شغفًا بالعلم والمعرفة، وكان حلمها أن تعمل في مجال يساعد الآخرين. تفوّقها الدراسي قادها إلى جامعة حمص، حيث اختارت دراسة الصيدلة، مكرّسة جهدها وسنوات شبابها لبناء مستقبل مشرق. لم يكن الاجتهاد وحده ما ميّزها، بل أيضًا روحها الاجتماعية التي جعلت لها الكثير من الأصدقاء، فقد كانت قريبة من الجميع، تمنح من حولها الحب والضحكة الصادقة.
لم تكن تالا تحلم بمستقبل مهني ناجح فحسب، بل كانت تحلم بحياة مليئة بالحب والاستقرار. التقت بعلي، شريك قلبها وحياتها، ووجدت فيه السند والروح التي تكملها. كانا معًا يخططان لكل تفاصيل زواجهما، يملآن منزلهما الجديد بالذكريات والأحلام، وينتظران بفارغ الصبر بداية فصلهما الجديد بعد انتهاء شهر رمضان. كانت تالا تعيش أجمل أيام حياتها، تملؤها السعادة والحماس لكل ما هو قادم، لكن يد الغدر امتدت إليها، لتُطفئ نورها قبل أن تشرق أحلامها.
تالا وعائلتها.. مجزرةٌ في حضن الجيران
حين بدأت الأخبار تتوالى عن دخول الجماعات المتطرفة إلى بانياس، شعرت تالا وعائلتها بالخطر المحدق. فتوجهوا إلى منزل جيرانهم في نفس المبنى ، فتوجهوا إلى منزل جيرانهم، عائلة الدكتور بسام صبح، حيث اجتمعوا في لحظة خوف وترقب، متشبثين بالأمل بأن العاصفة ستمر دون أن تطالهم.
لكن الموت كان يزحف إليهم بلا رحمة. بدأ الخراب أولاً من منزلهم، حيث اقتحم المسلحون بيتهم، محولين ذكرياتهم وجدرانهم إلى ركام. لم يكتفوا بالتدمير، بل كانوا يبحثون عن الأرواح ليطفئوا نورها. وما إن انتهوا من نشر الدمار، حتى توجهوا إلى المنزل المجاور، حيث كانت تالا وأهلها يحتمون.
دخل القتلة المنزل كوحوش جائعة، بلا رحمة أو شفقة، وأعدموا كل من وجدوه أمامهم. لم يميزوا بين شيخٍ أو شاب، بين امرأةٍ أو فتاة في مقتبل العمر، بل أطلقوا رصاص حقدهم على الجميع، فاستشهد الدكتور بسام صبح وعائلته بأكملها، ثم امتدت يد الغدر إلى تالا ووالديها. سقطت أمها، المدرسة المتقاعدة خالدية غانم، إلى جانب والدها، المدرس المتقاعد محي الدين حمامة، بينما وقفت تالا بينهما، آخر لحظاتها كانت نظرة وداع إلى والديها قبل أن تخترقها رصاصات الإرهاب.
في لحظة واحدة، انتهت حياة عائلةٍ بأكملها، تحولت الأحلام إلى دماء، والضحكات التي كانت تملأ المكان قبل أيام تحولت إلى صمتٍ ثقيل. تالا لم تمت وحدها، بل رحلت مع أحبّ الناس إليها، لكن روحها ستبقى خالدة، شاهدةً على جريمةٍ لن تُنسى، وجراحًا لن تلتئم.
ذكرى لا يطفئها الغدر
رحلت تالا بجسدها، لكن روحها ستظل حاضرة في قلوبنا، في كل لحظة نتذكر فيها ضحكتها، أحلامها، وطموحاتها التي لم يمهلها الغدر لتحقيقها. لن يكون غبار الزمن قادرًا على طمس اسمها، ولن يستطيع الإرهاب أن يسرق منا ذكراها. ستبقى تالا رمزًا للنقاء الذي اغتالته الوحشية، وستظل قصتها محفورة في ضميرنا، تذكرنا بأن الأرواح البريئة لا تُنسى، وأن العدل، مهما تأخر، لا بد أن ينتصر.




