» مجازر بحق العلويين » مجازر الساحل السوري: التطهير العرقي ضد العلويين وأزمة السلم الأهلي
صورة لسيارات تحوي عناصر مسلحة

مجازر الساحل السوري: التطهير العرقي ضد العلويين وأزمة السلم الأهلي

أحداث مدمية وتطهير عرقي في الساحل السوري

شهد الساحل السوري في الأيام الأخيرة أحداثًا دامية تُعد من بين الأكثر وحشية في الصراع السوري، حيث قُتل آلاف المدنيين معظمهم من الطائفة الإسلامية العلوية على أيدي جماعات مسلحة متعاملة مع السطات السورية، وسط عجز السلطات السورية عن منع وقوع المجازر.

ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن عدد القتلى المدنيين الموثقين تجاوز 1476 حتى الآن، بينما تفيد مصادر ميدانية بأن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.

تشير تقارير عدة إلى أن ما يجري في الساحل السوري يرقى إلى مستوى التطهير العرقي الممنهج بحق المدنيين العلويين، تحت ذريعة ملاحقة فلول النظام السابق.

ووفقًا لشهادات من داخل مناطق عدة، بينها صنوبر جبلة، الرميلة، المختارية، وحي القصور في بانياس، فإن المدنيين تعرضوا لعمليات إعدام ميدانية ومداهمات لمنازلهم على يد فصائل مسلحة وُصفت بأنها “خارجة عن السيطرة”، والتي جاءت لمساندة قوات الأمن العام. لم يكن الاستهداف قائمًا على الموقف السياسي أو النشاط العسكري، بل طال الجميع دون تمييز، بما في ذلك معارضون سابقون للنظام، أطباء، مهندسون، وأكاديميون، والكثير من الطبقة الكادحة ممن لم يكن لهم أي ارتباطات مع النظام السابق، مما يعزز المخاوف من أن المجازر كانت تطهيرًا طائفيًا ممنهجًا.

أعمال تخريبية وتدميرية

المجازر لم تقتصر على القتل الجماعي، بل رافقتها عمليات نهب وسلب واسعة للممتلكات. فبعد اجتياح المسلحين للبلدات المستهدفة، انتشرت مشاهد سرقة المحال التجارية في مدن جبلة وبانياس وأريافهما، إضافة إلى مصادرة السيارات وإحراق العديد منها. بعض الشهادات تحدثت عن اقتحام المسلحين للمنازل، وإرغام السكان على تسليم ممتلكاتهم تحت التهديد. هذه العمليات لم تكن مجرد أعمال فوضوية، بل كانت ممنهجة وتهدف إلى تدمير أي مقومات للوجود في هذه المناطق، ويصفها البعض بأنها أعادت ما بنوه خلال مسيرة حياتهم إلى الصفر أو ما تحته.

الأحداث التي سبقت المجازر: بيئة مشحونة وانفجار متوقع

لم يكن التصعيد في الساحل السوري مفاجئًا، بل كان نتيجة تراكمات طويلة من التوترات والانتهاكات التي جعلت من الانفجار العنيف أمرًا متوقعًا. وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، لم تكن الهجمات على حواجز الأمن انقلابًا منظّمًا، بل جاءت كرد فعل من عسكريين سابقين تعرضوا للإقصاء والتضييق.

فقد شهدت الأوساط العلوية فصلًا جماعيًا من الوظائف، واعتقالات واسعة في صفوف العسكريين السابقين، حيث لا يزال الآلاف منهم محتجزين في سجون إدارة العمليات العسكرية. كما وثّق المرصد أكثر من ٥٠٠ انتهاك ضد العلويين قبل المجازر، شملتها مظاهرات سكانية نادت بعبارات طائفية مطالبة بإخراج العلويين من معاقلهم، أو ذبحهم، مما جعل الاحتقان يتصاعد إلى نقطة اللاعودة.

إلى جانب ذلك، تصاعدت دعوات الجهاد العلني في الجوامع بالمناطق التي كانت معروفة بمناهضتها للنظام، مما زاد من حالة الخوف لدى الأقليات، بالإضافة إلى انتشار خطاب الكراهية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعية، بشكل يدعو بوضوح الى “الانتقام من العلويين”، تهجيرهم من مناطقهم، وغير ذلك. وبات من الطبيعي جدًا أن يُسأل أي شخص في الساحل السوري: “أنت علوي؟“، ليواجه بناءً على إجابته مصيرًا مختلفًا؛ قد يُعامل بعنصرية، أو تصادر ممتلكاته، أو يتعرض لانتهاكات جسدية تصل إلى الإعدام الميداني. لم يكن العنف مجرد لحظة انفجار عشوائية، بل نتيجة بيئة طائفية متوترة تحولت فيها الهوية إلى عامل يحدد بين الحياة والموت.

الرد الرسمي السوري: لجنة تحقيق وسط أزمة ثقة

مع تزايد أعداد الضحايا وانتشار صور المجازر على مواقع التواصل الاجتماعي، أقرت السلطات السورية بوقوع “انتهاكات” لكنها اكتفت بوصفها بأنها حالات انتقام فردية. كما أعلنت رئاسة الجمهورية عن تشكيل “لجنة وطنية مستقلة” للتحقيق في أحداث الساحل، والتي من المقرر أن تقدم تقريرها للرئيس الانتقالي لسوريا، أحمد الشرع، خلال 30 يومًا.

لكن هذا الإعلان لم يكن كافيًا لتهدئة الغضب، إذ أن اللجان السابقة التي تم تشكيلها في أحداث مماثلة لم تؤدِ إلى أي نتائج فعلية، مما جعل كثيرين ينظرون إلى التحقيق على أنه مجرد محاولة لاحتواء الرأي العام لا أكثر.

وبالرغم من وعود الدولة بحماية الأمن العام، لا يزال مطار حميميم، الذي تستغله القاعدة الروسية، يستقبل ما يقدر بـ ٨٠٠٠ لاجئ فرّوا من مناطقهم، وسط مطالبات بضمانات دولية أو روسية لحمايتهم.

أزمة الثقة بالحكومة وجبهة تحرير الشام

أحدثت المجازر شرخًا عميقًا في ثقة السوريين بالحكومة في دمشق، التي بدت عاجزة عن حماية مواطنيها أو حتى الاعتراف بحجم الكارثة. وبينما حاولت تقديم وعود بالتحقيق وإعادة ضبط الأمن، رأى كثيرون أنها إما متورطة أو غير قادرة على فرض سلطتها في مناطقها، مما زاد الشعور بالخذلان لدى الفئات التي كانت تعتمد على الدولة لحمايتها.

في المقابل، وجدت جبهة تحرير الشام نفسها أمام أزمة مصداقية، حيث كانت تحاول منذ فترة إعادة كسب ثقة الداخل السوري والمجتمع الدولي عبر تقديم نفسها كقوة منضبطة قادرة على إدارة المناطق التي تسيطر عليها. لكن الأحداث الأخيرة كشفت أن الفصائل المسلحة العاملة تحت مظلتها إما متورطة أو عاجزة عن ضبط الأوضاع، مما أدى إلى تراجع فرص الجبهة في تحسين صورتها الخارجية.

إقصاء العلويين والأقليات: خطر على السلم الأهلي

تركت المجازر أثرًا عميقًا على النسيج الاجتماعي، وزادت من الشعور بالعزلة والخوف لدى أبناء الطائفة العلوية والأقليات الأخرى. فمع تصاعد الخطاب الإقصائي، وتصوير العلويين ككتلة مسؤولة عن ممارسات النظام، تعزز الإحساس بأن هذه الطائفة مستهدفة وجوديًا وليس فقط سياسيًا.

لكن بعد هذه الفظائع، لا يمكن تحقيق أي مصالحة وطنية أو إعادة بناء الثقة دون التوقف عن السياسات الإقصائية. فإبعاد العلويين وغيرهم من الأقليات من مؤسسات الدولة، الجيش، والأجهزة الأمنية، لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات وزيادة الشعور بالخوف من المستقبل. إن تحقيق الاستقرار الحقيقي لا يمكن أن يكون عبر اجتثاث فئات كاملة من المجتمع، بل من خلال ضمان مشاركتها في بناء دولة قائمة على المواطنة وليس على الحسابات الطائفية.

إعادة بناء الدولة: استئصال التطرف وليس الأقليات

قد يكون التحدي الأكبر الذي يواجهه الشعب السوري في المرحلة القادمة يكمن في إعادة بناء جيش ومؤسسات دولة قائمة على الانتماء الوطني وليس الديني أو الطائفي، خاصة المتطرّف منه.

ووفقاً لنشطاء، فإن استئصال المتطرفين والتكفيريين من صفوف الدولة هو المفتاح الحقيقي لضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث. لا يمكن أن تُبنى سوريا مستقرة على أجهزة أمنية مسيّسة دينيًا، بل تحتاج إلى مؤسسات محايدة تضع الانتماء الوطني فوق أي اعتبارات طائفية أو مذهبية.

لكن يبقى السؤال الأكبر: هل ستلتزم جبهة تحرير الشام بوعودها في بناء وطن قائم على المواطنة والعدالة، أم أنها ستتابع مسارها الإسلامي الأصولي في بناء دولة إسلامية تحقق آمال المتشددين؟ إن مستقبل سوريا يتوقف على هذه الإجابة، فإما أن تكون الدولة القادمة نموذجًا مدنيًا قادرًا على احتواء جميع مكوناتها، أو أن تظل رهينة للفكر الإقصائي الذي لا يولّد إلا مزيدًا من الدمار والانقسامات. العالم كله يراقب ويتنظر الأفعال القادمة التي ستصدر عن السلطات السورية المؤقتة.

في نهاية المطاف، إذا لم تتم معالجة جذور هذه الأزمة، فإن شبح المجازر سيبقى حاضرًا، وأي دولة لا تضمن العدالة لكل مواطنيها، ستظل مهددة بالانفجار في أي لحظة.

الصور في الأدنى جمعت من المصادر على الأرض، وتظهر بعض من جوانب الأذى الذي خلفته هذه الانتهاكات. نعتذر عن عرض الصور الوحشية.

يمكنكم قراءة العديد من القصص حول المجازر التي حصلت، ومن سقط من الضحايا من خلال موقعنا “عيون على سوريا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top