الرئيسية » المقالات » مجازر بحق العلويين » قرية حرف بنمرة في ريف بانياس تستقبل العيد بمجزرة مروعة
صورة متداولة أعادت رسم الصورة الأصلية لجثمان طفل مغدور في قرية حرف بنمرة، تظهر خيطاً ربط فيه سرواله يعبر عن الفقر الشديد.

قرية حرف بنمرة في ريف بانياس تستقبل العيد بمجزرة مروعة

في أول أيام العيد… حيث عُيِّد على أهل بانياس بالموت والتهجير

31 آذار 2025، أول أيام عيد الفطر المبارك، كان من المفترض أن يكون يوم فرحٍ وتبادل التهاني، لكنه تحوّل إلى مجزرة مروعة في قرية حرف بنمرة في ريف بانياس، حيث قُتل ستة مدنيون أبرياء دون ذنب، ينتمون إلى الطائفة العلوية، ومن بينهم طفلٌ لم يملك ثمن حزامٍ يشد به سرواله.

كانت الصورة كافية لتهزّ وجدان السوريين وكل من شاهدوها — طفل بعمر الخامسة عشرة، ربط بنطاله بخيط مهترئ، يرتديه رغم اتساعه عليه، فقط ليعيد كما الأطفال في أول أيام العيد… لكنه قُتل بدم بارد. لهذه الصورة رمزية بالغة، فهي تعبر عن حال معظم ضحايا المجازر المروعة التي ارتكبت ظلماً بحق العلويين.

بالإضافة الى ذلك، كنا قد اطلعنا من مصادر ميدانية مباشرة أن بعض أسماء ضحايا المجزرة كانت مدرجة على قوائم حملة تبرعات فردية كانت تهدف لتسليم مساعدات دوائية لهم في يوم وقوع المجزرة، مما يعكس الحالة الانسانية المتردية أساسا لضحايا هذه المجازر.

صورة متداولة أعادت رسم الصورة الأصلية لجثمان طفل مغدور في قرية حرف بنمرة، تظهر خيطاً ربط فيه سرواله يعبر عن الفقر الشديد.
صورة متداولة أعادت رسم الصورة الأصلية لجثمان طفل مغدور في قرية حرف بنمرة، تظهر خيطاً ربط فيه سرواله يعبر عن الفقر الشديد.

مجزرة في وضح النهار ضد مدنيين عُزّل، قادها حقد أعمى

بحسب شهود ميدانيين، خرج ملثمان من نقطة عسكرية قريبة من القرية، واتجها إلى أول منزل في القرية، حيث استُقبلا بالضيافة المعتادة من قبل أهل البيت، وقُدمت لهما القهوة. سألا عن المختار، وما إن حضر حتى باشرا بإطلاق الرصاص مباشرة، فسقط المختار جودت فارس، وقريبه نجدت فارس، وسقط صاحب البيت الذي استقبلهم واستضافهم سومر شاهين، وابنه إبراهيم — ذاك الطفل الذي أبكى البلاد بملامحه الحزينة وبنطاله المربوط بخيط – وأخوه ثائر شاهين، ووالده المُسن ابراهيم شاهين، وسط وجود جرحى آخرين. لم يستطع “عيون على سوريا” الحصول على قائمة نهائية معتمدة باسماء الضحايا بعد (كما هو الحال في كل مجازر الساحل السوري) بل اعتمدنا على التوثيقات الميدانية.

العدالة لا تبدأ بالمحاكمة فقط، بل بالاعتراف بالحقيقة

ورغم محاولة وسائل التضليل اختلاق روايات مزيّفة لتكذيب الجريمة – من اتهامهم الضحايا بكونهم فلول للنظام، إلى تهريب سلاح، إلى الإدعاء بأن الصور المتداولة قديمة – إلا أن الصور والفيديوهات والتحقيقات وشهادات الأشخاص على الأرض كشفت الحقائق. فقد أكد تقرير منصة “تأكد” الموثوقة أن الصور المتداولة حقيقية، وأن الطفل اسمه إبراهيم شاهين، أحد ضحايا المجزرة.

لاحقًا، أُعلن عن اعتقال الملثمين من قبل قوات الأمن العام، وتبيّن أنهم يتبعون لوزارة الدفاع السورية، مما دفع ناشطين للمطالبة بمنع ارتداء اللثام نهائيًا، وبـ إعادة تأهيل الأجهزة الأمنية والعسكرية التي بات بعضها يشكل خطرًا على المواطنين.

عيدٌ على المقابر

فيما كان الإعلام الرسمي يحاول تلميع صورة الوقائع، ويظهر الرئيس والوزراء أثناء أداة صلاة العيد واستقبال الأطفال، وعناصر الأمن يوزّعون الحلوى على الأطفال، كانت أمهات بانياس تبكين على قبور أبنائهن أولئك الذين لم تجف دماؤهم بعد. للأسف لم يكن عيدًا، بل يوم حزنٍ وخرابٍ جديدٍ أيضاً على الساحل السوري.

وقد نزح معظم أهالي القرية بعد المجزرة، بحثًا عن مأمنٍ من الموت، لأنهم علموا يقينًا أن لا أحد آمن، حتى في يوم العيد، رغم تطمينات الامن العام بأنه تم إلقاء القبض على المجرمين وتأمين القرية. من الجدير بالذكر أن حالة الهلع والخوف هي حالة يعيشها الكثير من سكان الساحل بعد المجازر المروعة التي حصلت في شهر آذار.

رمز الطفل.. و”سنديانة الساحل” زرقة سباهية: صور لا تموت

اجتاحت صورة الطفل ابراهيم ذو البنطال المربوط بخيط مواقع التواصل الاجتماعي، وتحوّلت إلى رمزٍ للفقر والخذلان والمظلومية التي يعاني منها أبناء الطائفة العلوية في هذه الأيام. فهذا الطفل لم يكن يحمل سلاحًا، ولم يكن يهتف، ولم يكن يعي شيئاً حتى عندما بدأت الثورة. كل ذنبه انه ولد في عائلة علوية.

لا تختلف رمزية صورة الطفل إبراهيم، عن رمزية صورة السيدة زرقة سباهية، التي لقّبها الناس لاحقًا بـ “سنديانة الساحل”. ظهرت زرقة في مقطع مصور قاسي صوّره الإرهابيون أنفسهم، وهم يقفون فوق جثث أولادها الثلاثة الذين قتلوهم أمامها بدم بارد. ومع ذلك، واجهتهم بكبرياء نادر وقالت كلمتها التي بقيت خالدة:
“فشرتم، نحن لا نغدر.”

تلك العبارة لم تكن مجرد رد، بل كانت صفعة في وجه الجريمة والجبن، ورسالة من امرأة ثكلى إلى قتلتها: أن الكرامة لا تُغتال، حتى وإن أُبيدت الأجساد.

هكذا تشكّلت من دماء الأطفال والثكالى ذاكرة جماعية حقيقية للساحل السوري، ذاكرةٌ لا تطالب بالثأر، بل بالكرامة والعدالة والاعتراف بالجرائم كما هي، بلا تزوير أو إنكار، وبمحاسبة المجرمين.

الساحل السوري ينزف بصمت: من المجازر إلى الإذلال الممنهج

لم تكن مجزرة 31 آذار في ريف بانياس حدثًا معزولًا، بل هي امتدادٌ لسلسلة من المجازر والانتهاكات التي تعرّض لها أهالي الساحل السوري من الطائفة العلوية، والتي راح ضحيتها أكثر من 1600 شهيد مدني بحسب توثيقات حقوقية. هذه المجازر لم تكتفِ بإزهاق الأرواح، بل رافقها نهبٌ واسع النطاق للمنازل، المحلات التجارية، والمركبات، مما دمّر اقتصاد هذه المناطق بالكامل، وأعاد آلاف الأسر إلى خط الفقر، بل إلى ما هو أدنى من الصفر.

الأوضاع الاقتصادية التي كانت بالأصل قاسية، تفاقمت بشكل مأساوي بعد موجة الفصل التعسفي من الوظائف، وتلاها المجازر وأعمال التخريب، حيث نزح كثيرون من قراهم بعد فقدان الأمن وانعدام الأمل. ومع انهيار مصادر الرزق، تفاقمت المعاناة الإنسانية، حيث يعيش آلاف السكان في ظروف لا تليق بالبشر، في ظل غياب أي دعم حقيقي رسمي أو تعويض.

الأسوأ من ذلك، أن القهر لم يتوقف عند القتل والنزوح. اليوم، لا يزال بعض العناصر الأمنية والعسكرية يمارسون التمييز الطائفي، والإذلال العلني، ويفرضون الإتاوات على المواطنين دون أي محاسبة. وبينما يُفترض أن هؤلاء جاؤوا لحماية الأهالي، بات من الصعب على الناس التمييز بين العناصر المنضبطين، وبين أولئك الذين يتصرفون بدافع الحقد الأعمى والانتقام.

هذا الارتباك الأمني وغياب الثقة ساهم في ترسيخ شعور عميق بالخوف والخذلان، وجعل من أهالي الساحل ضحية مزدوجة: ضحية للقتل المباشر، وضحية لقمعٍ مستمرٍ يمارس باسم الدولة.

إنها ليست مجرد مأساة محلية، بل جريمة ممنهجة ضد كرامة الإنسان، وضد كل من اختار ألا يرفع سلاحًا، بل أن يحمل كتابًا أو يزرع أرضًا أو يربّي طفلًا.

خاتمة: الرحمة للشهداء، والعار للقتلة

هذه المجازر، مهما حاولت بعض الجهات إخفاءها وتجميلها، ستبقى محفورة في ذاكرة من بقي حيًّا. الألم لن يزول بالصمت، بل بالتوثيق، بالمطالبة بالعدالة، وبأن نقول الحقيقة مهما كانت مرة.

هذا العيد، لم يكن مُزيناً بطعم الحرية والانتصار، ولا الحلويات والعيدية كما روج البعض، بل بدم الأبرياء، نحيب الأمهات وخوفهن، وبراءة الأطفال المهدورة.. التي صارت أيقونة لوطنٍ لازال ينزف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

العودة إلى الأعلى