الدكتور رامي شاهين: العالم الذي اغتاله الإرهاب ولم يُسكت صوته
في عالم تسوده الفوضى والعنف، يظل العلم منارةً تحارب الجهل والتطرف. لكن حين تصبح هذه المنارة هدفًا للإرهاب، يكون الثمن فادحًا. الدكتور رامي شاهين، رجل العلم والسلام، غادر وطنه سوريا بحثًا عن الأمن وعن مكان يستطيع أن يخدم فيه البشرية برمتها، لكنه لم ينجُ من آلة القتل التي تلاحق العقول النيرة، فكان ضحيةً جديدة للإرهاب الأعمى الذي يفتك بالعلماء والمثقفين.
العالم الذي حمل لواء المعرفة
ولد الدكتور رامي شاهين في سوريا، وكرّس حياته للعلم والتعليم. حصل على بكالوريوس في الرياضيات من جامعة تشرين، وأكمل دراساته العليا في جامعة عين شمس بمصر، حيث حصل على ماجستير ثم دكتوراه في نظرية الرسوم البيانية (Graph Domination Theory).
لم يكن مجرد أكاديمي تقليدي، بل باحثًا مبدعًا، شغل مناصب عدة في جامعات داخل سوريا وخارجها، من أبرزها:
- جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة – أستاذ زائر.
- جامعة أم القرى في السعودية – أستاذ في قسم الرياضيات.
- جامعة آشور في العراق – البعض أفاد بأنه كان أستاذاً في قسم الأمن السيبراني، ولكن بحسب موقع الجامعة، فلقد كان أستاذاً في قسم هندسة تقنيات الأجهرة الطبية.
نشر عشرات الأبحاث العلمية في الرياضيات التطبيقية وكان له مساهمات كبيرة في نظرية البيان، وكان عضوًا بارزًا في الجمعية الأمريكية للرياضيات (AMS)، كما حصل على جوائز دولية مرموقة.
تظهر سيرته الذاتية، والتي لا تزال متوفرة على موقع جامعة آشور بعيد استشهاده، منشوراته العلمية المرموقة والأماكن التي شغرها.
العودة الأخيرة إلى الوطن
بعد سقوط النظام، قرر الدكتور رامي شاهين أن يقضي عطلة دراسية قصيرة لمدة ثمانية أيام فقط في سوريا، لزيارة عائلته في اللاذقية. لم يكن يعلم أن هذه الزيارة ستكون الأخيرة، وأن الموت كان بانتظاره هناك، بين أهله وعائلته.
جريمة ضد الإنسانية.. باسم الدين
في يومٍ مظلم، دخلت عصابات مسلحة تدّعي أنها “الأمن”، لكنهم لم يكونوا سوى فلول الإرهاب. قتلوا كل من وجدوه أمامهم، لم يفرّقوا بين طفل وشيخ، بين عالم ومزارع. كل جريمتهم أنهم مختلفون في الهوية والطائفة.
حاول الدكتور شاهين أن يناشدهم، توسّل إليهم ألا يقتلوه أمام أطفاله، لكن القتلة لم يعرفوا الرحمة. أطلقوا النار عليه بدمٍ بارد، دون اكتراث لصرخاته، دون أن يتحرك فيهم شيء من الإنسانية.. قتلوه مع أفراد آخرين من عائلته وآخرين من قريته، بجريمة مروعة سميت بمجزرة قرية برابشبو تلك التي حدثت خلال مجازر الساحل السوري الأخيرة.
يقول أحد طلابه في رثائه:
“خسرت سوريا وخسر العالم مصدر إلهام ومنبعًا للعلم لكل من تتلمذ على يديه. ستبقى ذكراه حاضرةً في قلوبنا وأثره العلمي ممتدًا عبر الأجيال.”
العلماء في مرمى الإرهاب
اغتيال الدكتور رامي شاهين ليس حادثًا فرديًا، بل هو جزءٌ من سياسة ممنهجة تهدف إلى تصفية العقول العلمية في العالم العربي. الإرهاب لا يخشى شيئًا بقدر ما يخشى العلماء والمثقفين، لأنهم يواجهون الجهل بالمعرفة، والخرافة بالعقل.
كتب الدكتور زهر الدين عيسى، زميله وصديقه:
“ذكرتني يا دكتور رامي بالعالم لافوازيه، الذي قتلته الثورة الفرنسية، وعندما سُئل رعاع الثورة عن إعدامه، قالوا: الجمهورية لا حاجة لها في العلماء… أكثر من 55 مقالة وبحث منشور في أكبر مجلات العالم، كان مشرفًا على عشرات رسائل الدكتوراه، كان أحد رواد الذكاء الاصطناعي في العالم العربي… والآن رحل.”
الإرهاب لا يستطيع قتل الإرث العلمي
رغم قتله، لم يستطع الإرهاب أن يُطفئ نور الدكتور رامي شاهين. إرثه العلمي باقٍ في أبحاثه وطلابه، وفي كل فكرة زرعها في عقول الباحثين الذين علّمهم.
هذه الجريمة ليست فقط اعتداءً على فرد، بل هي جريمة ضد الإنسانية والعلم، جريمة تسعى إلى إبادة العقول وقتل الأمل في المستقبل. لكن مهما اشتد الظلام، ستظل أنوار المعرفة أقوى.
العار للقتلة… والمجد لشهداء العلم والمعرفة.




